الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من أنبت منهم . قال ابن إسحاق : وحدثني شعبة بن الحجاج ، عن عبدالملك بن عمير ، عن عطية القرظي ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يُقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم ، وكنت غلاما ، فوجدوني لم أُنبت ، فخلوا سبيلي . قال ابن إسحاق : وحدثني أيوب بن عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي صعصعة ، أخو بني عدي بن النجار : أن سلمى بنت قيس ، أم المنذر ، أخت سليط بن أخت سليط بن قيس - وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد صلت معه القبلتين ، بايعته بيعة النساء - سألته رفاعة بن سموأل القرظي ، وكان رجلا قد بلغ ، فلاذ بها ، وكان يعرفهم قبل ذلك ، فقالت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، هب لي رفاعة ، فإنه قد زعم أنه سيصلي ويأكل لحم الجمل ؛ قال : فوهبه لها ، فاستحيته . قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسّم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين ، وأعلم في ذلك اليوم سُهْمان الخيل وسهمان الرجال ، وأخرج منها الخُمس ، فكان للفارس ثلاثة أسهم ، للفرس سهمان ولفارسه سهم ، وللراجل ، من ليس له فرس ، سهم . وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسا ، وكان أول فيء وفعت فيه السهمان ، وأُخرج منها الخمس ، فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ، ومضت السنة في المغازي . ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبدالأشهل بسبي من سبايا بني قريظة إلى نجد ، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا . قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة ، إحدى نساء بني عمرو بن قريظة ، فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها وهي في ملكه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليها أن يتزوجها ، ويضرب عليها الحجاب ؛ فقالت : يا رسول الله ، بل تتركني في ملكك ، فهو أخف علي وعليك ، فتركها . وقد كانت حين سباها قد تعصّت بالإسلام ، وأبت إلا اليهودية ، فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجد في نفسه لذلك من أمرها . فبينا هو مع أصحابه ، إذ سمع وقع نعلين خلفه ؛ فقال : إن هذا لثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة ؛ فجاءه فقال : يا رسول الله ، قد أسلمت ريحانة ، فسره ذلك من أمرها . قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى في أمر الخندق ، وأمر بني قريظة من القرآن ، القصة في الأحزاب ، يذكر فيها ما نزل من البلاء ، ونعمته عليهم ، وكفايته إياهم حين فرج ذلك عنهم ، بعد مقالة من قال من أهل النفاق : يقول الله تعالى : يقول الله تبارك وتعالى : قال ابن هشام : الأقطار : الجوانب ؛ وواحدها : قطر ، وهي الأقتار ، وواحدها : قتر . قال الفرزدق : كم من غِنى فتح الإله لهم به * والخيل مُقْعية على الأقطار ويُروى : ( على الأقتار ) . وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن هشام : سلقوكم : بالغوا فيكم بالكلام ، فأحرقوكم وآذوكم . تقول العرب : خطيب سلاّق ، وخطيب مِسْلق ومِسْلاق . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة : فيهم المجد والسماحة والنَّجْـ * ـدة فيهم والخاطب السلاقُ وهذا البيت في قصيدة له . ثم أقبل على المؤمنين فقال : ثم ذكر المؤمنين وصدقهم وتصديقهم بما وعدهم الله من البلاء يختبرهم به ، فقال : قال ابن هشام : قضى نحبه : مات ، والنحب : النفس ، فيما أخبرني أبو عبيدة ، وجمعه : نحوب . قال ذو الرمة : عشية فر الحارثيون بعد ما * قضى نحبه في ملتقى الخيل هَوْبَرُ وهذا البيت في قصيدة له . وهوبر : من بني الحارث بن كعب ، أراد : يزيد بن هوبر . والنحب أيضاً : النذر . قال جرير بن الخَطَفَى : بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا * عشية بسطام جرين على نحب يقول : على نذر كانت نذرت أن تقتله فقتلته ، وهذا البيت في قصيدة له . وبسطام : بسطام بن قيس بن مسعود الشيباني ، وهو ابن ذي الجدين . حدثني أبو عبيدة : أنه كان فارس ربيعة بن نزار . وطِخْفة : موضع بطريق البصرة . والنحب أيضا : الخِطار ، وهو الرهان . قال الفرزدق : وإذ نحبت كلب على الناس أينا * على النحب أعطى للجزيل وأفضل والنحب أيضا : البكاء . ومنه قولهم : ينتحب . والنحب أيضا : الحاجة والهمة ؛ تقول : ما لي عندهم نحب . قال مالك بن نويرة اليربوعي : وما لي نحب عندهم غير أنني * تلمست ما تبغي من الشُّدُن الشُّجْرِ وقال نهار بن توسعة ، أحد بني تيم اللات بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل - قال ابن هشام : هؤلاء موالي بني حنيفة - : ونجَّى يوسفَ الثقفي ركض * دراك بعد ما وقع اللواء ولو أدركنه لقضين نحبا * به وكل مُخطَأَة وقاء والنحب أيضاً : السير الخفيف المَرِّ . قال ابن إسحاق : قال ابن هشام : قال سحيم عبد بني الحسحاس ؛ وبنو الحسحاس من بني أسد بن خزيمة : وأصبحت الثيران صرعى وأصبحت * نساء تميم يبتدرن الصياصيا وهذا البيت في قصيدة له . والصياصي أيضا : القرون . قال النابغة الجعدي : وسادة رهطي حتى بَقِيْـ * ـتُ فردا كصيصية الأعضب يقول : أصاب الموت سادة رهطي . وهذا البيت في قصيدة له . وقال أبو دواد الإيادي : فذَعَرْنا سُحم الصياصي بأيديـ * ـهنّ نَضْحٌ من الكُحيل وقار وهذا البيت في قصيدة له . والصياصي أيضاً : الشوك الذي للنساجين ، فيما أخبرني أبو عبيدة . وأنشدني لدريد بن الصمة الجشمي ، جشم ابن معاوية بن بكر بن هوازن : نظرت إليه والرماح تنوشه * كوقع الصياصي في النسيج الممدد وهذا البيت في قصيدة له . والصياصي أيضاً : التي تكون في أرجل الديكة ناتئة كأنها القرون الصغار ، والصياصي أيضاً : الأصول . أخبرني أبو عبيدة أن العرب تقول : جذّ الله صيصيته : أي أصله . قال ابن إسحاق : قال ابن إسحاق : فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر بسعد بن معاذ جرحه ، فمات منه شهيدا . قال ابن إسحاق : حدثني معاذ بن رفاعة الزُّرقي ، قال : حدثني من شئت من رجال قومي : أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قُبض سعد بن معاذ من جوف الليل معتجرا بعمامة من إستبرق ، فقال : يا محمد ، من هذا الميت الذي فُتحت له أبواب السماء ، واهتز له العرش ؟ قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد ، فوجده قد مات . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن قالت : أقبلت عائشة قافلة من مكة ، ومعها أسيد بن حضير ، فلقيه موت امرأة له ، فحزن عليها بعض الحزن ، فقالت له عائشة : يغفر الله لك يا أبا يحيى ، أتحزن على امرأة وقد أُصبت بابن عمك ، وقد اهتز له العرش ! قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن الحسن البصري ، قال : كان سعد رجلا بادنا ، فلما حمله الناس وجدوا له خفة ، فقال رجال من المنافقين : والله إن كان لبادنا ، وما حملنا من جنازة أخف منه ، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن له حملة غيركم ، والذي نفسي بيده ، لقد استبشرت الملائكة بروح سعد ، واهتز له العرش . قال ابن إسحاق : وحدثني معاذ بن رفاعة ، عن محمود بن عبدالرحمن ابن عمرو بن الجموح ، عن جابر بن عبدالله ، قال : لما دُفن سعد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسبح الناس معه ، ثم كبر فكبر الناس معه ؛ فقالوا : يا رسول الله ، مم سبحت ؟ قال : لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره ، حتى فرجه الله عنه . قال ابن هشام : ومجاز هذا الحديث قول عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن للقبر لضمة لو كان أحد منها ناجيا لكان سعد بن معاذ . قال ابن إسحاق : ولسعد يقول رجل من الأنصار : وما اهتز عرش الله من موت هالك * سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو و قالت أم سعد ، حين احتُمل نعشه وهي تبكيه - قال ابن هشام : وهي كُبيشة بنت رافع بن معاوية بن عبيد بن ثعلبة بن عبد بن الأبجر ، وهو خُدْرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج - : ويل أم سعد سعدا * صرامة وحدا وسُوددا ومجدا * وفارسا مُعدّا سُدّ به مَسدّا * يَقُدُّ هاما قَدّا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل نائحة تكذب ، إلا نائحة سعد بن معاذ . قال ابن إسحاق : ولم يستشهد من المسلمين يوم الخندق إلا ستة نفر . و من بني عبدالأشهل : سعد بن معاذ ، وأنس بن أوس بن عتيك بن عمرو ، وعبدالله بن سهل . ثلاثة نفر . ومن بني جشم بن الخزرج ، ثم من بني سلمة : الطفيل بن النعمان ، وثعلبة بن غنمة . رجلان . ومن بني النجار ، ثم من بني دينار : كعب بن زيد ، أصابه سهم غرب ، فقتله . قال ابن هشام : سهمُ غَرْبٍ وسهمٌ غرب ، بإضافة وغير إضافة ، وهو الذي لا يُعرف من أين جاء ولا من رمى به . وقتل من المشركين ثلاثة نفر . ومن بني عبدالدار بن قصي : منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبدالدار ، أصابه سهم ، فمات منه بمكة . قال ابن هشام : هو عثمان بن أمية بن منبه بن عبيد بن السباق . قال ابن إسحاق : ومن بني مخزوم بن يقظة : نوفل بن عبدالله بن المغيرة ؛ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسده ، وكان اقتحم الخندق ، فتورط فيه ، فقُتل ، فغلب المسلمون على جسده . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لنا في جسده ولا بثمنه ، فخلى بينهم وبينه . قال ابن هشام : أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده عشرة آلاف درهم ، فيما بلغني عن الزهري . قال ابن إسحاق : ومن بني عامر بن لؤي ، ثم من بني مالك بن حسل : عمرو بن عبد ود ، قتله علي بن أبي طالب رضوان الله عليه . قال ابن هشام : وحدثني الثقة أنه حدث عن ابن شهاب الزهري أنه قال : قتل علي بن أبي طالب يومئذ عمرو بن عبد ود وابنه حسل بن عمرو . قال ابن هشام : ويقال عمرو بن عبد ود ، ويقال : عمرو بن عبد . قال ابن إسحاق : واستشهد يوم بني قريظة من المسلمين ، ثم من بني الحارث بن الخزرج : خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو ، طُرحت عليه رحى ، فشدخته شدخا شديدا ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن له لأجر شهيدين . ومات أبو سنان بن محصن بن حرثان ، أخو بني أسد بن خزيمة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة ، فدفن في مقبرة بني قريظة التي يدفنون فيها اليوم ، وإليه دفنوا أمواتهم في الإسلام . ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني : لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ، ولكنكم تغزونهم . فلم تغزهم قريش بعد ذلك ، وكان هو الذي يغزوها ، حتى فتح الله عليه مكة .
|